ح)النهضة والمفاهيم الاسلامية1)



 


 

فوز حركة النهضة و المفاهيم الإسلامية
الشيخ علوي بن عبد القادر السَّقَّاف
المشرف العام على مؤسسة الدرر السنية
13 ذو الحجة 1432
 

 
 
 
هربَ طاغيةُ تونس، وسقطَ ديكتاتورُ مصر، وهلكَ طاغوتُ ليبيا، وسيتبعهم نصيريُّ سوريا بإذن الله، وفرح المسلمون بذلك، وحُقَّ لهم أن يفرحوا، كيف لا يفرح المسلم بزوال الطغيان؟! كيف لا يفرح المؤمن بزوال الظلم والاستعباد؟! من لم يفرح بذلك فليشكَّ في دينه أو عقله.
 
وبعيداً عن الخوض في تداعيات هذه الثورات، فالمؤمَّل أن يكون هذا السقوط في صالح المسلمين إن شاء الله، فرفعُ الظلم والاستعباد الذي وصل في بعض هذه الدول إلى التضييق في العبادات، وإظهار الكفر البواح، لا شك أن فيه خيرًا كبيرًا للإسلام والمسلمين، بعد أن ظلَّ هذا الأمر عقوداً من الزمن حتى يئس كثيرون من تغييره {وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.
 
ثم رأينا بعد ذلك الهروبِ والسقوطِ والهلاكِ ظهورَ واجهاتٍ إسلامية، لم يكن لها أن ترى النور في ظلِّ الأنظمة السابقة، كالجماعات السلفية والإخوان المسلمين في مصر، وحزب النهضة في تونس، وفئامٌ من الإسلاميين في ليبيا، ولا شك أن هذا أيضاً مما يُفرح المسلمين الصادقين ويبهجهم، ويغيظ الله به قلوب الكافرين والمنافقين والعلمانيين.
 
 والمتأمل لأوضاع المسلمين في فترة ما قبل سقوط هذه الأنظمة، وما آلت إليه الأوضاع الآن – رغم ما يكتنفها من مخاوف – لا يسعه إلا أن يتفاءل بأن أوضاع المسلمين في هذه البلدان ستكون إلى الأفضل -والله أعلم-، وليست الخشية الآن من صعود نظام كسابقه، فهذا زمن قد ولَّى، والشعوب لن تقبل به وسترفضه كرفض الشعب التركي لمصطفى أتاتورك جديد، بعد أن تنعمت بحكم أردوغان وحزبه، بل الخشية من ضياع المبادئ والثوابت والمسلَّمات، وتغيير المفاهيم،  ففي العقود الماضية وتحت حكم الاستعباد والظلم، والكفر أحياناً ، كان المسلمون -وعلى رأسهم العلماء والدعاة- يدعون الناس إلى عقيدة صافية ومنهج واضح، ويأمَلُون ويؤمِّلُون الشعوب بحكم إسلامي نظيف، منبعه الكتاب والسنة على فهم سلف هذه الأمة، تحكمه النصوص، ولا يهمل العقل ولا يغفل الواقع، وأعداء الإسلام يعرفون جيداً أنه لو حصل هذا فقد قامت قيامتهم، وقربت نهايتهم، إسلامٌ: شعارُه الحاكميةُ لله، ودثارُه الولاء والبراء، وذروةُ سنامه الجهاد في سبيل الله، إلا أنَّ الأمر الآن بخلاف ذلك إذ أصبحت الرايات تُرفع للعدل، والحرية والمساواة والتنمية، وليس اعتباطاً أن يكون اسم الحزب الحاكم في تركيا الآن هو (حزب العدالة والتنمية)، والحزب الفائز والذي سيحكم تونس قريباً حزب النهضة، شعاره والمكتوب تحت عنوانه: حرية -عدالة- تنمية([1])، فالخشية إذن في ضياع المفاهيم ونسيانها مع وصول هؤلاء للحكم، أمَّا مسألة فرح المسلم بفوز حزبٍ إسلاميٍ سُنِّي- ولو شَابَهُ تخليطٌ وضلالٌ - على نظام لا يعترف بشريعة الله، فهذا أمر لا نُزَايد عليه، وهو من الولاء والبراء الذي أمرنا الله به، وقد حكم عقوداً من الزمن خلفاءُ مسلمون لهم على المسلمين طاعة، وهم أهل بدع وأهواء، فلا شك أن فوز حزب (العدالة والتنمية) في تركيا على الحكم العلماني العسكري السابق مما يفرح المؤمن الصادق -رغم توجهاته الليبرالية-، ولا شك أن فوز (حركة النهضة) في تونس على اليساريين والعلمانيين كذلك، لكن هذا لا يمنعنا من الحديث عن حركة النهضة وزعيمها ووضعهما في ميزان النقد الشرعي، حفاظاً على المبادئ والمفاهيم الإسلامية الأصيلة، فحزب النهضة وإن كان يدعو إلى الإسلام وتطبيق شرائعه، وله جهود في ذلك يشكر عليها؛ إلا أنه حزب عقلاني يشوبه ما يشوب دعاة لبرلة الإسلام  وأسلمة الليبرالية، وهذا الحكم ليس نابعاً من تصريحاتٍ حديثةٍ يمكن أن تُفسَّر على أنها تصريحات مرحلية للفوز في الانتخابات، بل هو مبني على مبادئ من صميم منهج الحزب، والذي كتبه في بياناته ووثائقه، وما صرَّح به رئيسه الأستاذ راشد الغنوشي، بل إنه صرَّح مؤخراً في مقابلة له في قناة (حَنِبَعَل)([2]) التونسية أنَّ ما يقول به الحزب الآن، هو ما كتبه قادة الحزب وهم في السجن والمنفى، وبين يدي الآن وأنا أكتب هذه الوريقات أكثر من عشرين كتاباً وبحثاً ومشاركة في ندوات ومؤتمرات وحوارات له، كتبها كلها وهو في المنفى، فلا يصحُّ أن يقال بعد ذلك إن هذه تصريحات مرحلية، بل صرَّح هو نفسه أن مثل هذا يعد نفاقاً، وأن كل ما يقوله الآن بعد فوز حزبه في الانتخابات كان يقوله اعتقاداً وقناعة، وأنه مسطورٌ في كتبه، وقد صدق، وهذا مما يميز الأستاذ الغنوشي، فهو صادق الكلمة، صريح في أقواله، جريء في عرض قناعاته، لا يتلون كما يتلون بعض السياسيين من الإسلاميين وغيرهم، والحق يقال إنَّ الرجل عقلية فذة، ومفكرٌ عميق لا يرده شيءٌ عن نقد أي فكر، ولو كان ممن هو محل إعجابه والثناء عليه، كالخميني والترابي وأضرابهما([3])، والرجل لديه وعي إسلامي جيد، وإنصافٌ في كثيرٍ من أقواله، وله أيضاً شطحٌ وشططٌ، وعقلنةٌ، وبُعدٌ عن المنهج الحق، وهو متأثرٌ تأثراً بالغاً بالديمقراطية الغربية مع نقده لكثير من تصرفات الغرب ومنهجيته، ومتأثرٌ بالثورة الإيرانية على يد الخميني، وبالحركة السودانية بقيادة الترابي، وبالمودودي مؤسس الجماعة الإسلامية بباكستان، وبالفكر العقلاني المعتزلي، وبالمنهج المميع المتساهل والذي يسمونه (الوسطي المعتدل)، وأنا أنصح المتمكن من العلم الشرعي الذي له اهتمام بالسياسة الشرعية أن يقرأ كتبه ويستفيد منها، وخاصة كتابه: (الحريات العامة في الدولة الإسلامية) ففيه خلاصة قناعاته، وموقف الحركة من مسائل السياسة الشرعية.
 
نشأ الأستاذ الغنوشي ناصريًّا في مصر([4]) ثم يسارياً في سوريا([5])، ثم تحول بعد ذلك إلى الإسلاميين، وترك القوميين، والذي جعله يتحول هو اكتشافه تعارض القومية مع أصول الإسلام، وأنه كان منخدعاً بها لدرجة أن عمره الإسلامي بدأ في ليلة 15/6/1966م حتى إنه اغتسل ووحَّد الله في تلك الليلة – على حدِّ تعبيره([6])، وهذا كله لا إشكال فيه، بل هو منقبة له، ودليل على فطرته الإسلامية السليمة، لكن الإشكال هو أن الفكر القومي ظل مؤثراً عليه إلى يومنا هذا، حتى إنه صرح في مراجعاته على قناة الحوار بأنه- وبعد هذه السنين الطويلة- لا يعتبر اتجاهه الإسلامي نقيضاً لاتجاهه القومي، بل هو امتداد له.
 
 ثم أنشأ بعد ذلك حركة الاتجاه الإسلامي (حركة النهضة حالياً)، وتاريخه طويلٌ مليء بالمعاناة والنضال والسجن والاعتقال والاضطهاد والصبر والمصابرة، مما نسأل الله عز وجل أن يأجُره عليه.
 
والذي يهمنا هنا هو فكره ومنهجه، ومنهج حركة النهضة التي وصلت إلى الحكم في تونس بعد سنين من الاضطهاد، هل هي الحركة التي يرجو المسلم الموحِّد من فوزها أن تطبق شرع الله، وترفع ظلم العباد لأنفسهم ولغيرهم، وهل هذا التمكين هو التمكين المرجو في قوله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}؟ وهل ينطبق على الحركة قوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}؟
 
حركة النهضة التي اختلف فيها الدعاة اليوم بين مؤيد ومعارض، هي حزب يرفع راية الإسلام، وهو الحزب الوحيد المؤهل الآن لحكم تونس التي قضت عقوداً في العلمنة والإلحاد، لكن هذا لا يمنعنا أن ننقده، ونبين جوانب النقص فيه، وقد جعلت ذلك اختصاراً في ثلاثة محاور.
 
وقبل سرد هذه المحاور  من المهم أن يعلم القارئ أن الحركة –كرئيسها الغنوشي- تقلبت خلال هذه السنين، وانتقلت من حال إلى حال، حيث كان للإخوان المسلمين أثرٌ عليها في بداية النشأة، ثم انتقلت الحركة إلى التوجه العقلاني، وأصبحت تعتبر جماعة الإخوان المسلمين جماعة سلفية تقليدية!!، وإليك جدولاً أعده عبداللطيف الهرماسي قارن فيه بين منهج الحركة وتوجهاتها في السبعينات ومنهجها في الثمانينات، استلَّه من بيانات الحركة وتصريحات زعيمها، نشره مركز دراسات الوحدة العربية، ومما جاء فيه:
 
1- الموقف من تطبيق الشريعة
في السبعينات: - تنفيذ أحكام الله وإقامة الحدود في المرحلة الثانية من الدعوة: مرحلة قيام المجتمع المسلم، التي تلي مرحلة الدعوة والبناء.
في الثمانينات: - تأجيل المسألة إلى أن يتم إعداد الرأي العام.
- تعطيل الحدود حتى تزول أسباب الجريمة، وتتوفر شروط التطبيق.
 
2- الموقف من تعدد الزوجات
في السبعينات: - تعدد الزوجات مباح وجائز بصريح النص المحكم الذي لا شبهة فيه، ولا يجوز للحاكم المسلم أن يمنعه مطلقاً.
في الثمانينات: - إن حركة الاتجاه ما كانت تهدف، ولا هي تهدف الآن إلى مراجعة منع تعدد الزوجات. وهي لا تعتبر التعدد أصلاً من أصول الدين، ولا تعتبر أن حل مشكلات الأسرة يتوقف على السماح بالتعدد.
 
3- الموقف من الاختلاط وتعليم المرأة وعملها
في السبعينات: -الاختلاط سبيل للفجور، وحق المرأة في التعليم محدود فيما يكفل قيامها بوظيفتها الطبيعية: شؤون المنزل ورعاية الأطفال، واشتغالها لا يجوز إلا عند شدة الحاجة، وشرط أن تكون المهنة شريفة، والمرأة دون عائل.
في الثمانينات: - اعتبار أن وجود المرأة في المؤسسة غدا أمراً واقعاً لابد من مواجهته بروح جريئة، واعتبار الممانعة في   تعليم البنت تصوراً بدائيًّا ليس له أساس من الدين.
 
4- الموقف من الديمقراطية
في السبعينات: - الإسلام يتضمن كل ما نحتاج إليه لإدارة المجتمع.
- كل محاولة لإدخال مفاهيم مثل الديمقراطية والاشتراكية هي تعبير عن شعور داخلي بالهزيمة.
- الحرية والديمقراطية والمساواة، ليست سوى أصنام حديثة أو وسائل تخدير واستعباد.
- رفض كل النظم البشرية، والقول بمفهوم الحاكمية.
في الثمانينات: -العلاقة مع الله تمر بالشعب ثم بالحاكم الملتزم بتطبيق البرنامج الذي اختاره الشعب.
- نحن لا نعارض قيام حركة سياسية، وإن اختلفت معنا اختلافاً جذرياً.
- الحاكمية للشعب وحاكمية الله تمر عبر الشعب.]([7]) ا.هـ
والحديث عن حركة النهضة لا ينفك عن الحديث عن رئيسها ومنظِّرها الغنوشي، لذلك فما يُنسب له يُنسب لها، أمَّا المحاور الثلاثة فهي:
 
 
المحور الأول: الاتجاه العقلاني في الحركة والتأثر بالفكر القومي اليساري
وهذه شهادة رئيس الحركة في انتقالها إلى العقلانية مع نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، يقول الغنوشي: (لقد نما النقد داخل الحركة، وكان للعقلانية دورٌ مهم في ذلك، بالإضافة إلى ضغوط الواقع والشعور بعزلة الحركة نتيجة للانكسارات التي أحدثتها في علاقة الفرد مع وسطه، حتى غدا التوتر والعزلة سمتين لأغلب العاملين من أبناء الحركة في علاقتهم بمجتمعهم، ... فلم تنته السبعينات إلا وقد تخلى أغلبية العاملين في الحركة عن الخوض في تلك القضايا،كما انقطع أغلبهم عن حركات الرفع، وبعضهم عن القبض في الصلاة([8])، وانقطعوا جملة عن الخوض في مسألة التوسل والتعرض للصوفية([9])، بل قطعت الجماعة خطوة أبعد، فعملت على تخفيف التوتر مع المشايخ والصوفية، وأخذت في تنظيم لقاءات مع هؤلاء وأولئك، قاطعة بذلك مع التدين السلفي الوارد علينا من المشرق في صيغة كتابات للشيخ ناصر الدين الألباني وجابر الجزائري.
كما أنه قد نما بتأثير التدين العقلاني وتنامي دور الجناح الطلابي وحجمه في قاعدة الحركة ومؤسساتها مع نهاية السبعينات، وهو جناح اضطره موقعه في مهب المعارك الأيدولوجية والسياسية في الجماعة إلى تقديم الإسلام لا كدعوة بل كرؤية أيدولوجية عالمية)([10]).
أمَّا تأثر الحركة بالفكر القومي والناصري فهذا واضح في كثير من تصريحات الغنوشي، وقد أوضح ذلك بشكل جلي فؤاد السعيد في أطروحة له بعنوان: (إعادة كتابة الناصرية إسلاميًّا - قراءة في فكر راشد الغنوشي) نشرها عبد الحليم قنديل، ختم الدراسة بقوله: (إن أطروحات الغنوشي والحركة الإسلامية التونسية قد لا ترضي القوميين بشكل كامل-وهو أمر غير وارد، وإلا تطابقت المواقف، ولم تعد هناك قضية لتناقش بين الطرفين- ولكنها بلا شك الأطروحات الإسلامية الأكثر قرباً من الفكر القومي الناصري، سواءً على مستوى منهج التفكير أو على مستوى الموقف من الاجتهاد والتجديد الإسلامي أو بالنسبة لفهم القضية الاجتماعية أو العلاقة بين الإسلام والعروبة، وهي خطوة كبيرة على طريق التقارب السياسي، بل والتطابق الفكري)([11]).
 
المحور الثاني: الخلل العقدي والمنهجي في الحركة
هذا المنهج العقلاني والفلسفي في الحركة أورثها خللاً منهجيًّا وعقديًّا في كثير من الأمور، فمن ذلك:
1- خلل في الموقف من الثورة الإيرانية، والإمامية الاثني عشرية:
تحدث الغنوشي عن أثر الثورة الإيرانية في الحركة ومن ذلك: (التفاعل العميق مع الثورة الإيرانية في نهاية السبعينات على نحو اختلف نوعاً ما عن تفاعل الحركات الإسلامية السلفية البحتة، فلقد بلغ الحماس هنا لهذه الثورة أوجاً لم ير مثله لدى أية حركة إسلامية أو غير إسلامية في البلاد، وكان لهذا التفاعل أثره الكبير في تجذير الفكر السياسي والحركة للجماعة في اتجاه القطيعة، مع ما قد يكون فيه من تجاوز لمقتضيات المصلحة)([12]). ويقول عن الاتجاه الإسلامي إنه: (تجاوز البعد الطائفي في التعامل مع الثورة الإسلامية في إيران)([13]).
 
ومن أقواله عن التيار الشيعي: (وقد تعاظم شأن هذا التيار في إثر الانتصار الباهر الذي حققته الثورة الإسلامية في إيران ضد النظام البهلوي، وكان الخطاب الإيراني الثوري التعبوي الحامل أنَّات المستضعفين، وآلام القرون، وأشواق الاستشهاد، من خلال كتابات عدد من العلماء المجاهدين الرواد الذين نظروا إلى الفكر الشيعي، وحاولوا نفض غبار القرون عنه وتقديمه رؤية إسلامية عالمية وناطقاً رسميًّا وحيداً باسم الإسلام، وكتابات الشهيد الصدر والمطهري -وشريعتي على رأسها- قد أطلقت موجة عاتية من الفكر الثوري الشيعي اجتاحت عدداً كبيراً من مثقفي العالم ومثقفي السنة، وفي غمرة الحماس لانتصارات الثورة كانت أفكار هؤلاء الرواد، بل حتى التراث الشيعي قبل أن ينفض عنه الغبار، تجد صدى متعاظماً، وكانت انتصارات الثورة تقوم مقام كاسحات الثلوج أمام الفكر الشيعي تفتح في وجهه الطريق فيتقدم دون مقاومة تذكر)([14]).
 
ويقول مخاطباً السنة والشيعة معاً، وأنه لا أحد من الطرفين يحتكر الحقيقة!: (فهل من فَيْأة إلى الرشد تحرر العقول من فكرة احتكار الحقيقة وادعاء كل طرف لا بمجرد أنه أهدى سبيلاً([15])، بل إن سبيل الإسلام هو سبيله ولا شيء غير ذلك، وهو نهج خاطئ علميًّا مضر سياسيًّا، ولا شك في أنه على الطرف الآخر من هذا النهج تقف الدعوة إلى تكفير الشيعة وتجاوز ما استقر عليه أهل السنة من أن الشيعة الإمامية والزيدية: هم من أهل القبلة، مع تسجيل مآخذ عليهم)([16]).
 
وتحدث في مراجعاته على قناة الحوار عن تركيز الحركة على البعد الاجتماعي، بدلاً عن البعد العقائدي، على خلاف السائد لدى الحركات الإسلامية في ذلك الوقت، وأنهم أخذوا عن الحركات اليسارية واستفادوا منها، وكيف أنه كان منخدعاً بفكر سيد قطب الذي تعلموا منه أن الخلافات عقدية حتى ظهرت الثورة الخمينية، فتعلموا منها أن الصراعات بين الأمم أغلبها ليس عقديًّا وتأثروا بها وعرفوا –حسب تعبيره- خطأ فكر سيد قطب وصوابية منهج الخميني.
 
ثم تحدث في الحوار ذاته عن تفسير قوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} وكيف أن الخميني أشعل معناها في صدورهم، فأبرز بُعداً جديدً للصراع في الإسلام وهو صراع المصالح! الصراع بين المستضعفين والمستكبرين! بينما كان سيد قطب يركز فقط على آيات المائدة {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} {الظَّالِمُونَ} {الْفَاسِقُونَ} فجاء الخميني ليبين أن الصراع في العالم ليس صراعاً مبنيًّا على العقائد فحسب، وإنما هناك صراع مصالح أيضاً.
 
والشاهد هنا ليس هو نفي وجود صراع مصالح، فهذا لا ينكره عاقل، بل الشاهد هو تأثره بالفكر الخميني بعد أن كان متأثراً بفكر سيد قطب، بل أكَّد في تراجعاته أنه لا يوجد سبب حقيقي للتصادم بين الإسلام والغرب سوى المصالح!!
 
2- إعجابه بالحركة السودانية على يد الترابي، واعتباره أن من المؤثرات على حركة الاتجاه الإسلامي (حركة النهضة حالياً): (التفاعل مع التجربة السودانية، وهي محاولة من داخل الحركة الإسلامية السنية لتجاوز الرؤية المعاصرة للسلفية، وإقامة نوع آخر من العلاقة بين السلفية الأصولية وبين الواقع الحضاري المعاصر، فقد كان للتجربة السودانية تأثير فعَّال في تطوير الجماعة الإسلامية بتونس على المستوى الأصولي والاجتماعي، وعلى المستوى الطلابي)([17]).
بل من شدة إعجابه بالترابي نعته بالمجدد، فقال عنه: (ولا شك أن الريادة بين الحركات الإسلامية المعاصرة في تحرير المرأة ومشاركتها تظل للحركة الإسلامية السودانية بتأصيلات مؤسسها المجدد الشيخ الترابي ...)([18]).
 
3- الجهاد عنده هو جهاد الدفع، وقد صرَّح بذلك أكثر من مرة، آخرها في مقابلة معه في برنامج (الصراحة راحة) في قناة (حنبعل) التونسية.
 
4- اعتراف الحركة بكل التشكلات الحزبية بما فيها العلمانية والشيوعية([19]).
 
5- شارك بكلمة في المؤتمر القومي الإسلامي الأول عام 1415ه – 1994م،وحث فيها على أن تشارك النساء في لجان المتابعة، ورشح أحد النصارى لعضوية لجنة التنسيق، ودعم حزب الله.
 
 
6- الردة عن الإسلام جريمة سياسية يعاقب عليها الحاكم تعزيرًا لا حدًّا، وليست قضية مرتبطة بحرية العقيدة، وقتال أبي بكر للمرتدين كان سياسة لا دينًا([20]).